التنين الصيني في سباق مع الفيل الهندي: قراءة في التنافس الاقتصادي والتقني والجيوستراتيجي

التنين الصيني في سباق مع الفيل الهندي: قراءة في التنافس الاقتصادي والتقني والجيوستراتيجي

في العقدين الأخيرين تحوّل الحديث عن «التنين الصيني» و«الفيل الهندي» من تشبيهات بلاغية إلى نقد تحليلي دقيق لمعادلات قوة جديدة على مستوى آسيا والعالم. الصين، بهيكلها الصناعي المدمج وسياساتها المركزية في الاستثمار والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي، تمثل تجربة دولة مركزها الدولة وتوظيفها للأجهزة الحكومية في هندسة نمو سريع ومتواصل لثلاثة عقود، بينما الهند تجسّد نموذجًا مختلفًا: نموًا مرتكزًا على الخدمات، شريحة سكانية شابة، سوق داخلي ضخم، وإمكانات تفوق في قطاع البرمجيات والابتكار القائم على المبادرة الخاصة. هذا التباين يصنع سباقًا لا يقتصر على حجم الناتج الإجمالي فقط، بل يشمل بنى الإنتاج، حوكمة التكنولوجيا، والقدرة على تحويل النمو إلى نفوذ استراتيجي.

اقتصاديًا، تفوّق نموذج الصين عبر عقود اعتمد على الاستثمار في رأس المال والقطاع الصناعي القابل للتصدير، لكن موجات تباطؤ وإعادة توازن في سلاسل التوريد العالمية أظهرت نقاط ضعف مرتبطة بالاعتماد الشديد على الصادرات والأسواق الخارجية. بالمقابل، الهند تحقق معدلات نمو مرتفعة مدفوعة بالقطاع الرقمي والخدمات وتوسّع قاعدة استهلاكية نمت بسرعة، ما يمنحها مرونة ضد صدمات الطلب الخارجي، لكنها تواجه تحديات بنيوية في البنية التحتية والتصنيع واسع النطاق. السباق بين النمو السريع والمرن هو في جوهره سباق عن نماذج تنمية مختلفة وتأثيرات كل نموذج على الاستقرار الاجتماعي والقدرات التكنولوجية المستقبلية.

في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تمتلك الصين قدرة مميّزة بفضل بيانات واسعة وسياسات دعم حكومية مركزية تسمح بتطبيقات واسعة في الاقتصاد والمجتمع والأمن، بينما يركّز النمو الهندي على مزايا بشرية وتطوير برمجيات تنافسية وخدمات رقمية عالمية. كلا البلدين يركّزان على بناء قدرات السيليكون والوحدات البحثية، لكن الاختلاف في النماذج التنظيمية يُترجم إلى امتيازات مختلفة: الصين قد تفوز على المدى القصير في نشر الحلول الشاملة بسرعة، والهند قد تكسب سوق المواهب والابتكار المفتوح على المدى المتوسط والطويل. هذا التوازن يجعل السباق تقاطعيًا: ليس فائزًا واحدًا نهائيًا بل ساحة امتزاج تنافس وتكامل في مجالات عديدة.

من الناحية العسكرية والجيوستراتيجية، التفوّق التقليدي الصيني في القدرات والصناعات الدفاعية بقي واضحًا، لكن الهند طورت قدراتها بسرعة، وزادت النفقات العسكرية وعززت الشراكات الإقليمية والدولية. خريطة النفوذ الإقليمي تتأثر بالتفاعلات بين بكين ونيودلهي، وتحالفات ثالثة (الولايات المتحدة، اليابان، أستراليا، دول الخليج) تؤثر في موازين القوى عبر شراكات تكنولوجية وعسكرية. في نهاية المطاف، سباق الصين والهند لن يكون محكومًا بمنطق محض صفري؛ النجاح لكل منهما يعتمد على قدرتهما على تحويل النمو الاقتصادي إلى قوة أصيلة بالقدرات الصناعية والتكنولوجية، وعلى إدارة علاقات خارجية مرنة تحوّل التنافس إلى مجالات تعاون حيثما أمكن.

Leave a Reply

Your email address will not be published.