هل يدرك نتنياهو ما تعنيه “أثينا وسْبارطة”؟ قراءة نقدية لواحدة من أفشل تصاريحه

هل يدرك نتنياهو ما تعنيه “أثينا وسْبارطة”؟ قراءة نقدية لواحدة من أفشل تصاريحه

عندما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن بلاده مُطالبة بأن تكون “أثينا وسْبارطة معًا” — بل “سوبر سبارطة” — في ظل ما وصفه بالعزلة الدبلوماسية والاقتصادية المتسارعة، لم يكن يكتفي بتصويرها صورة رمزية، بل أراد بها استدعاء إرث تاريخي وثقافي عميق. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: هل يدرك فعلاً نتنياهو الأبعاد الكاملة لهذا التشبيه؟ أم أنه مجرد خطاب استراتيجي تحذيري يقصد به رصّ الصفوف الداخلي والتدليل على المواجهة؟

في خطاب ألقاه خلال مؤتمر حكومي، تحدث نتنياهو عن مواجهة محاولات العزلة الاقتصادية والدبلوماسية، وضرورة تطوير الصناعات الدفاعية المحلية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وإعداد إسرائيل لتكون قادرة على الاكتفاء الذاتي، أو ما يُعرف اقتصادياً “بخصائص الاكتفاء الذاتي” (autarky) — لكنه ربط هذا التوجه باستخدام الصورة التاريخية المزدوجة لأثينا وسبارطة، إحداهما للحضارة، الفكر، الابتكار، والثقافة، والأخرى للقوة العسكرية والانضباط الصارم.

هذا التشبيه لم يكن بريئاً من التأثيرات النفسية والسياسية؛ فقد أثار استياءً شديداً في الأوساط الإسرائيلية نفسها، انخفضت الأسواق المالية إثره، وتعالت الأصوات التي قالت إن هذا التصريح يشي بنزع نحو الانغلاق، وربما تهيئة المواطنين لقبول مصاعب اقتصادية كبيرة، وربما تنازلات في الحريات الاجتماعية مقابل التركيز على الأمن والردع.

من الناحية التاريخية، سبارطة كانت دولة عسكرية صارمة، أثينا دولة حضارية وفكرية؛ الجمع بينهما يبدو مغرياً كرؤية، لكن يراد له عملياً أن يُبرّر توازنًا بين السير في طريق الإنتاج المحلي، الدفاع المحلي، مواجهة العقوبات أو المقاطعة السياسية، والتمسك ببعض معايير الابتكار والتكنولوجيا. هذا الجمع يحمل مخاطره: سبارطة التاريخية اختارت الانعزال والتشدد ولكنها أيضاً فرّطت في النمو الاقتصادي والثقافي مع الوقت، وتراجعت أمام التغيرات.

في السياق الحالي، خطاب نتنياهو يشي بأنه يستعد لمرحلة يُراها بأنها حرب باردة جديدة، ليس مجرد مواجهة مسلحة، بل مواجهة دبلوماسية، إعلامية، ومنع للتأثيرات الخارجية أو الاعتماد على خطوط توريد دولية. هو يستبطن رسالة إلى الداخل: الشعب يجب أن يكون مستعدًا للتضحيات، وربما خفّ انخفاض مستوى المعيشة، وربما تغييرات في أولويات السياسة الاقتصادية والاجتماعية. وإلى الخارج: إسرائيل ليست كالسابق، وهي تستعد لأن تتحول إلى دولة أقل تلاحماً مع المنظومة الدولية إذا استمر الضغط والعزلة.

لكنّ بيان نتنياهو يفتقر إلى الإدراك الكامل لآثار هذا التشبيه. المنظور الاقتصادي الحديث يعتمد على الترابط والعولمة، فحتى الصناعات الدفاعية لا تُنتج في فراغ: سلاسل التوريد العالمي، الاستثمارات الأجنبية، السوق الدولية، هي عناصر لا يمكن تجاهلها. الابتعاد عن هذه العوامل قد يضرّ بالإنتاجية الوطنية، وقد يؤدي إلى فرار الكفاءات أو الاستثمارات. الأثر الاجتماعي أيضاً مهم: المواطن يُطالب ليس فقط بالأمن، بل بالعيش الكريم، التنقل، الثقافة، التعليم، الحرية. رؤية تُهيمن عليها سبارطةٍ عسكرة، مع اقتصاد مغلق، ممكن أن تُضعف الانتماء الجماعي وتزيد الاستياء الداخلي.

الأجانب كذلك قرأوا التصريح بقلق. فقد ربط محللون بين التشبيه وأخطار أن تصبح إسرائيل دولة منبوذة دبلوماسياً، تواجه مقاطعة اقتصادية، تواجه عقوبات، أو مواجهة تحديات في الحصول على التكنولوجيا وأجزاء أساسية من الصناعات الدفاعية. الأسواق المالية تفاعلّت فورًا بانخفاض في الأسهم وانخفاض في قيمة الشيكل. راحة نادرة لرئيس حكومة إسرائيل، يعترف فيها بأن الوضع الدولي يفرض تغيرًا جذريًا في الاستراتيجية الوطنية. لكنه، في الوقت نفسه، ينطلق من تحليل ربما مبالغ فيه أو متشائم، لا يأخذ كامل المتغيرات القادمة في الاعتبار. هل يدرك نتنياهو ما يعنيه أن تكون إسرائيل “سوبر سبارطة”؟ على الأرجح أنه يدرك جزءًا منها — القوة العسكرية، الاستعداد للحرب، الشدّة في الموقف — لكنه لا يبدو أنه يدرك التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية طويلة المدى التي تصاحب هذا النوع من الهوية السياسية.

أخيرًا، من المهم أن يكون النقد صادقًا ليس فقط من الخارج بل من الداخل: كيف يمكن لإسرائيل أن تحافظ على اقتصاد مزدهر، مجتمع منفتح إلى حدّ ما، قدرة ابتكار وتكنولوجيا، بينما تتحول إلى دولة عسكرية مغلقة؟ هل هذا ممكن؟ هل المواطن مستعد؟ وهل التحالفات الدولية التي إسرائيل بنتها ستصمد أمام هذا التحول؟ هذا ما ستُظهره السنوات القادمة.

Leave a Reply

Your email address will not be published.