الترجمة كضرورة دولية وشعار 2025 الاستراتيجي
يُمثل اليوم العالمي للترجمة، الذي يُحتفل به سنويًا في 30 سبتمبر، مناسبة محورية لتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبه الاختصاصيون اللغويون في تسيير دفة التواصل العالمي. يكتسب هذا اليوم في عام 2025 أهمية مضاعفة نظرًا للتطورات التكنولوجية المتسارعة والتحديات الجيوسياسية التي تجعل من الترجمة ليس مجرد خدمة لغوية، بل ركيزة أساسية للسلام والثقة المتبادلة بين الأمم.
الجذور التاريخية والقرار الأممي
يعود اختيار تاريخ 30 سبتمبر للاحتفال باليوم العالمي للترجمة إلى إحياء ذكرى القديس جيروم، الذي يُعتبر القديس الشفيع للمترجمين. اشتهر جيروم، وهو قس من شمال شرق إيطاليا، بترجمة معظم الكتاب المقدس إلى اللاتينية (الترجمة الفولغاتية) من المخطوطات اليونانية والعبرية، متوفياً قرب بيت لحم في 30 سبتمبر 420 م.
وفي العصر الحديث، تبنى الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) هذه المناسبة، وعمل على تعزيز الاحتفالات بها منذ تأسيسه عام 1953. وفي عام 1991، أطلق الاتحاد فكرة الاعتراف الرسمي بهذا اليوم عالمياً بهدف إظهار التضامن وتعزيز مكانة الترجمة كمهنة لا غنى عنها في عصر العولمة. وقد تُوّجت هذه الجهود بالاعتراف الرسمي من قبل منظمة الأمم المتحدة. ففي 24 مايو 2017، اعتمدت الجمعية العامة قرارها رقم 71/288، الذي أعلن 30 سبتمبر يومًا دوليًا للترجمة، اعترافًا رسميًا بمساهمة المترجمين الشفويين والتحريريين والمصطلحيين المحترفين في ربط الأمم وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية العالمية. وتؤكد الأمم المتحدة أن الترجمة ضرورية للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأفراد.
تفكيك الشعار الاستراتيجي لعام 2025
اختار الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) لليوم العالمي للترجمة 2025 شعاراً استراتيجياً بعمق: “الاحتفال بالترجمة، والسلام والثقة” (Celebrating Translation, Peace and Trust). ويعتبر هذا الشعار بمثابة صدى مباشر لقرار الأمم المتحدة لعام 2017 الذي ربط الترجمة بشكل صريح بتحقيق السلام والتنمية.
ويكمن التحول المحوري في هذا الشعار في التركيز على عنصر “الثقة”. ففي عصر تتضخم فيه المعلومات المضللة وتنتشر فيه أدوات الترجمة الآلية غير الموثوقة على نطاق واسع، لم تعد الثقة مجرد قيمة أخلاقية، بل أصبحت ضرورة استراتيجية قصوى. ويُسلّط هذا الشعار الضوء على الدور الحاسم للخبرة البشرية، وتحديداً المترجمين التحريريين والشفويين، في “صياغة مستقبل جدير بالثقة”. إن الإصرار على عنصر الثقة في 2025 يمثل دعوة مفتوحة للمجتمع الدولي للتمييز بين النقل اللغوي السريع والمنخفض التكلفة (الذي توفره الآلة) والترجمة التي تضمن النزاهة والدقة والسياق الثقافي، وهي عناصر تتطلب ضمانًا بشريًا.
المشهد التكنولوجي 2025: الذكاء الاصطناعي ومعادلة الثقة
يمر قطاع خدمات اللغة في عام 2025 بتحول جذري، حيث يطغى تأثير الذكاء الاصطناعي على كل جانب من جوانب المهنة. ويشكل هذا التطور تحديًا مزدوجًا: فهو يوفر كفاءة غير مسبوقة، ولكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف أخلاقية ومهنية عميقة، محورها الرئيسي هو “الثقة”.
تحول طبيعة العمل: من الترجمة إلى التحرير البعدي
أحدث ظهور الذكاء الاصطناعي (AI) والترجمة الآلية العصبية (NMT) تغييرًا جذريًا في مهنة الترجمة، مقدمًا مستويات جديدة من الأتمتة والكفاءة. وقد أدى هذا التحول إلى زيادة الإنتاجية وتقليل التكاليف.
لم يعد دور المترجم البشري يتمحور حول إنشاء النص من الصفر في معظم السياقات التقنية والتجارية، بل تحول إلى مشرف ومراجع بعدي (Post-editing) على مخرجات الآلة. يتطلب هذا التحول تطوير مهارات جديدة لضمان دقة المصطلحات، وتصحيح الأخطاء اللغوية والنحوية، وضمان سلاسة النص ووضوحه، وهي مهام تظل حاسمة في تحقيق الجودة المطلوبة. ويؤكد الخبراء أن مستقبل الترجمة سيكون “مزيجًا” هجينًا يجمع بين الترجمة البشرية والترجمة الآلية لإنتاج أفضل النتائج الممكنة، مع بقاء المترجمين البشريين في الصميم، مضيفين “الروح والإبداع” للنصوص.
المزايا التنافسية للدمج التكنولوجي 2025
تشير التوقعات لعام 2025 إلى أن المزايا التي يوفرها الذكاء الاصطناعي للمهنة هي مزايا تنافسية ضرورية لاستمرار نمو القطاع:
سرعة الإنجاز والتكلفة: يوفر الذكاء الاصطناعي أوقات تسليم أسرع وتكاليف تشغيلية أقل، مما يتيح تلبية الطلب المتزايد على المحتوى المترجم عالميً
التخصص والتخصيص: يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية تخصيص الترجمات لتناسب السياق المحدد والمستخدم، مما يعزز جودة وملاءمة المخرجات بشكل فعال.
الشمول اللغوي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يترجم نطاقًا أوسع من اللغات، بما في ذلك اللغات الأقل انتشارًا أو تلك التي تفتقر إلى موارد بشرية كافية، مما يدعم الشمولية.
تحدي “إتقان الآلة” والمخاوف المهنية
يتأكد المشهد المهني في عام 2025 بأن التحدي الأكبر ليس هو استخدام التكنولوجيا، بل “إتقانها”. وينعكس هذا في الشعار الرئيسي للمؤتمر العالمي الثالث والعشرين لـ FIT الذي يُعقد في جنيف في سبتمبر 2025: “إتقان الآلة: صياغة مستقبل ذكي”. هذا يعني أن المهنة يجب أن تسيطر على التكنولوجيا، لا أن تخضع لها.
ويواجه المترجمون مخاوف كبيرة تتعلق بأمنهم الوظيفي والمخاطر الأخلاقية والمهنية. وقد كشفت الدراسات التي نُشرت في عام 2025 عن مجموعة من التحديات والمخاوف:
تراجع المهارات وفقدان الإبداع (Deskilling): يخشى المترجمون من أن يؤدي الاعتماد المفرط على الترجمة الآلية إلى تراجع مهاراتهم اللغوية الأساسية وفقدان الانخراط الإبداعي الضروري للنصوص المعقدة.
المخاوف الأخلاقية: تتصدر قائمة المخاوف الأخلاقية قضايا خصوصية البيانات التي يتم إدخالها في أدوات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مشكلة التحيز الخوارزمي وفقدان السيطرة على عملية الترجمة. إن التحيز الخوارزمي يشكل قضية ملحة، حيث قد تنتج الأنظمة ترجمات تعكس تحيزات بيانات التدريب، مما يتطلب وجود رقيب بشري يضمن الحياد والعدالة اللغوية.
الحاجة إلى التكيف: يشدد الخبراء على ضرورة تطوير المهارات لتحقيق التوازن بين الأتمتة والخبرة البشرية، وإبراز أهمية دمج “ثقافة الذكاء الاصطناعي” (AI literacy) في التعليم المهني للمترجمين.
ويشير تحليل هذه التحديات إلى أن المترجم الناجح في عام 2025 لم يعد مقتصرًا على كونه خبيرًا لغويًا فحسب، بل يجب أن يتحول إلى ما يمكن وصفه بـ “مهندس ترجمة آلي” (AI Translation Engineer)، قادر على إدارة أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة وفعالية في بيئات العمل المهنية. كما يتأكد دور المترجم كضامن أخلاقي للعدالة اللغوية والثقافية في النصوص الحساسة.
وفيما يلي مقارنة توضح التوازن بين المزايا التكنولوجية والمخاوف الأخلاقية في مهنة الترجمة لعام 2025:
مقارنة المزايا التكنولوجية والمخاوف الأخلاقية في مهنة الترجمة 2025
مزايا الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي | التحديات الأخلاقية والمهنية للمترجمين (2025) |
سرعة الإنجاز الفائقة وتقليل وقت التسليم | المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وسريتها |
خفض التكاليف التشغيلية للعملاء والخدمات | التحيز الخوارزمي ونقص الحياد في مخرجات الترجمة |
القدرة على ترجمة نطاق واسع من اللغات | تراجع مهارات المترجمين (Deskilling) بسبب الاعتماد المفرط على الآلة |
إمكانية تخصيص الترجمات لتناسب السياق والمستخدم | فقدان الانخراط الإبداعي والسيطرة الكاملة على عملية الترجمة |
التخصص كدرع استراتيجي: رسم الحدود بين الإنسان والآلة
في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي على الترجمات العامة، يبرز التخصص العميق كاستراتيجية البقاء المهني الأهم للمترجمين البشريين. إن التخصص هو العامل الذي يبرر ارتفاع القيمة المضافة للمترجم في السوق، حيث يتحول من ناقل لغوي إلى مستشار لغوي متخصص (Specialized Linguistic Consultant).
المجالات التي أثبتت فيها الآلة كفاءتها المعززة
أشارت الأبحاث الحديثة، بما في ذلك دراسة الكندي لعام 2025، إلى أن الذكاء الاصطناعي أظهر كفاءة عالية ومعززة في المجالات التي تعتمد على المصطلحات الموحدة والنصوص المحددة الهيكل. ويشمل ذلك النصوص التقنية التي تلتزم بقواعد واضحة، والأبحاث الأكاديمية والعلمية التي تتطلب دقة مصطلحية عالية، والوثائق القانونية الروتينية. في هذه المجالات، يعمل الذكاء الاصطناعي كأداة تسريع قوية، ويكون دور المترجم البشري محصورًا في التدقيق والمراجعة النهائية لضمان الاتساق.
الملاذات الحصينة للمترجم البشري (Sanctuaries of Human Expertise)
يظل المترجم البشري حاسمًا في السياقات المعقدة أو التي تتطلب فهمًا عميقًا للفروق الثقافية، حيث تفشل الآلة في محاكاة الإبداع أو استيعاب السياقات المعقدة. هذه المجالات تمثل الملاذات الحصينة التي تحافظ على مكانة المترجم المحترف:
الترجمة الأدبية والثقافية: يواجه الذكاء الاصطناعي صعوبات كبيرة في التعامل مع اللغة المجازية، والحمولة العاطفية، والعمق الثقافي. تقتصر الترجمة الآلية على نقل المعنى الحرفي أو السطحي، بينما يتطلب الأدب والفكر نقل روح النص، مما يجعل الترجمة الأدبية مجالًا لا يمكن للآلة أن تحاكيه بشكل كامل.
الترجمة القانونية والطبية عالية المخاطر: رغم قدرة الآلة على المعالجة، تظل العقود القانونية والتقارير المالية والوثائق التنظيمية تتطلب أقصى قدر من الدقة البشرية لضمان الامتثال القانوني وحماية مصالح جميع الأطراف. قد يؤدي خطأ بسيط في ترجمة مصطلح طبي إلى عواقب وخيمة. ولذلك، فإن التخصص في هذه المجالات يضمن الجودة التي تتجاوز مجرد الكفاءة الميكانيكية للآلة، خاصة في حال الترجمات التي تترتب عليها مسؤولية مدنية أو جنائية.
إن التركيز على التخصص العميق يمثل استراتيجية تكيف مهنية بالغة الأهمية. بما أن الذكاء الاصطناعي يتولى تغطية المجالات العامة ذات الحجم الكبير، فإن المترجم المتخصص هو القادر على تقديم القيمة الفائقة التي يفتقدها الناتج الآلي، مما يعزز مكانته المهنية في عام 2025 وما بعده.
الترجمة ودعم التنمية العالمية: تجاوز معضلة بابل
تتجاوز أهمية الترجمة في عام 2025 حدود التواصل التجاري والثقافي لتصبح أداة حاسمة في تحقيق أجندة التنمية العالمية، وتحديداً أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرتها الأمم المتحدة.
الترجمة كجسر للتنمية المستدامة (SDGs)
أكدت الأمم المتحدة أن الترجمة التحريرية والشفوية، خاصة للغات الأقليات، هي مفتاح الإدماج ودعم أهداف التنمية المستدامة. ويشير هذا التحليل إلى أن الترجمة ليست خدمة لغوية بل استثمار في رأس المال البشري والاستقرار الاجتماعي، مما يربطها بشكل مباشر بمحور “السلام” في شعار 2025.
الهدف 3 (الصحة الجيدة): تُمكن الترجمة الأفراد من الوصول إلى الرعاية الصحية والمعلومات الطبية بلغتهم الأم، وهو ما يقلل من الفجوات الصحية. كما يعزز التعاون الإقليمي والدولي في قطاع الصحة، خاصة في مجال الابتكار وتبادل المعرفة والوصول إلى العلوم والتكنولوجيا الصحية.
الهدف 4 (التعليم الجيد): تُعد الترجمة أداة مهمة لتعزيز التعليم والتعلم. فهي تساعد على نقل المعرفة والخبرات من لغة إلى أخرى، وتوسيع رقعة المعرفة والتعليم في العالم. وتمكين الوصول إلى التعليم الجيد، وهو مفتاح لكسر دورة الفقر وتحقيق المساواة.
العدالة والشمول (الهدفان 10 و 16): تسهم الترجمة في تحقيق العدالة اللغوية، حيث تمكن الأفراد والجماعات الذين لا يجيدون لغة معينة من الوصول إلى الخدمات القانونية والحق في المعاملة العادلة، مما يدعم الشمولية ويقلل الفجوات الاجتماعية.
دور الترجمة في الحوار الثقافي وحماية اللغات
تساهم الترجمة بشكل فعال في تحقيق التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الثقافات، وتعمل على إذابة الحدود بين لغات الأمم المختلفة. كما أنها تلعب دورًا حيويًا في نشر الثقافة والأدب والفكر على نطاق عالمي، مما يساهم في بناء جسور التفاهم.
وفي سياق الحفاظ على التنوع اللغوي، تبرز مسؤولية مهنة الترجمة تجاه اللغات المهددة بالانقراض. تتحدث شعوب الأرض بأكثر من 7000 لغة، وكثير منها مهدد بالزوال. هنا، يمكن للترجمة الآلية (عند استخدامها بشكل أخلاقي وتحت إشراف بشري) أن تلعب دوراً غير متوقع؛ فمن الممكن أن تساعد في الحفاظ على هذه اللغات وتعزيزها من خلال جعلها في متناول جمهور أوسع عبر الإنترنت.
الترجمة البيئية والأخلاقية
أصبحت الترجمة الدقيقة لرسائل الاستدامة أمرًا بالغ الأهمية في عالم يولي الأولوية للبيئة. يجب على الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات ضمان توافق رسائلها البيئية مع اللغات والثقافات المحلية. فالترجمة غير الدقيقة قد تؤدي إلى سوء فهم المفاهيم البيئية أو، ما هو أخطر، تسهيل ظاهرة “التضليل البيئي” (Greenwashing)، حيث يتم تضخيم الادعاءات الكاذبة حول الفوائد البيئية. وعليه، يبرز دور المترجم كضامن للشفافية البيئية، مما يؤكد أن اللغة الصديقة للبيئة تعني تهيئة بيئة تُستقبل فيها الرسائل في السياق المناسب، وليس مجرد اختيار الكلمات.
خريطة الفعاليات العالمية والإقليمية لعام 2025: رسم مسارات المستقبل
تؤكد الخريطة العالمية والإقليمية لفعاليات اليوم العالمي للترجمة 2025 على الاهتمام المتزايد بموضوعات الذكاء الاصطناعي والأخلاق المهنية، إلى جانب الاستثمار المتنامي في الترجمة كأداة للقوة الناعمة.
القمم العالمية والندوات المحورية
تتصدر الفعاليات الدولية التي ينظمها الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) أجندة عام 2025:
المؤتمر العالمي الثالث والعشرون لـ FIT: يُعد هذا الحدث الذي يُعقد في جنيف في الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر 2025، منارة لتحديد سياسات التعامل مع الذكاء الاصطناعي تحت شعار: “Mastering the Machine: Shaping an Intelligent Future” (إتقان الآلة: صياغة مستقبل ذكي).
ندوة اليوم العالمي للترجمة عبر الإنترنت: تُقام هذه الندوة الافتراضية في 29 سبتمبر 2025، وتركّز تحديداً على المحور الفكري: “الذكاء الاصطناعي ومعادلة الثقة: إعادة التفكير في التعليم والتدريب في عصر الأنظمة الذكية”. هذا يؤكد أن المؤسسات التعليمية والتدريبية هي حجر الزاوية للتكيف مع التغيير، ويشدد على ضرورة إصلاح المناهج لدمج الكفاءات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
المؤتمرات الأمريكية والأوروبية: تشمل الأجندة الدولية مؤتمرات كبرى مثل المؤتمر السنوي الـ 66 لجمعية المترجمين الأمريكية (ATA 66) ومؤتمر رابطة شركات اللغة (ALC) الثالث والعشرين في نيو أورليانز (10-12 سبتمبر 2025)، والتي توفر منصات حيوية لتبادل الأبحاث والتواصل المهني.
الحراك الإقليمي العربي: الترجمة كقوة ثقافية دافعة
شهد عام 2025 استثمارًا كبيرًا في قطاع الترجمة في المنطقة العربية، ما يشير إلى وعي متزايد بالترجمة كأداة لتعزيز التبادل المعرفي والثقافي.
منتدى الترجمة الدولي في الرياض 2025: يُعقد هذا المنتدى الدولي في الرياض في الفترة من 7 إلى 8 نوفمبر 2025، بتنظيم من هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية. ويهدف المنتدى إلى التأكيد على الدور الحيوي للترجمة في بناء الجسور الثقافية وتبادل المعرفة، ويُتوقع أن يكون له تركيز خاص على التقاطعات مع التكنولوجيا.
الاستثمار السعودي الثقافي: تتولى هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية قيادة مشاركة المملكة في العديد من المحافل الثقافية الكبرى في عام 2025، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب (يناير 2025) ومعرض موسكو الدولي للكتاب (سبتمبر 2025). وتؤكد هذه المشاركات الاستراتيجية على أن الترجمة تُستخدم كجسر للحوار والتواصل مع الحضارات الأخرى، مما يعزز صورة الأدب السعودي عالميًا
النشاط في دول الشمال الأفريقي: يشهد النقاش في دول مثل الجزائر ومصر تركيزاً على محور “الترجمة في عصـر الذكـاء الاصطناعــي: نحو الجمع بين سرعة الآلة وخبرة البشر”.
وفيما يلي جدول يلخص أبرز الفعاليات التي تتناول مستقبل المهنة في عام 2025:
أبرز الفعاليات والمحاور العالمية والإقليمية لعام 2025
الحدث الرئيسي | الموقع/التاريخ | المؤسسة المنظمة/الراعية | المحور الرئيسي لعام 2025 |
المؤتمر العالمي الثالث والعشرون لـ FIT | جنيف، 4-6 سبتمبر 2025 | الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) | “إتقان الآلة: صياغة مستقبل ذكي” (Mastering the Machine) |
ندوة اليوم العالمي للترجمة عبر الإنترنت | 29 سبتمبر 2025 | الاتحاد الدولي للمترجمين (FIT) | “الذكاء الاصطناعي ومعادلة الثقة: إعادة التفكير في التعليم” |
منتدى الترجمة الدولي | الرياض، 7-8 نوفمبر 2025 | هيئة الأدب والنشر والترجمة (السعودية) | دور الترجمة في بناء الجسور وتبادل المعرفة |
ALC 23rd Annual Conference | نيو أورليانز، 10-12 سبتمبر 2025 | رابطة شركات اللغة (ALC) | التطورات المهنية والشبكات |
الخاتمة والتوصيات الاستراتيجية للمستقبل
الاستنتاج الرئيسي: الترجمة كشكل من أشكال السيادة المعرفية
يؤكد الاحتفال باليوم العالمي للترجمة 2025 تحت شعار “الاحتفال بالترجمة، والسلام والثقة” أن المهنة وصلت إلى نقطة تحول حاسمة. لم تعد الترجمة مجرد نقل للكلمات، بل هي ممارسة للسيادة المعرفية والثقافية، وضمانة للثقة في تدفق المعلومات عبر الحدود. ويشير التحليل إلى أن مستقبل المهنة يعتمد على نموذج هجين يجمع بين الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي (من حيث الكفاءة والسرعة) والإبداع والتدقيق والروح التي يضيفها المترجم البشري.
يجب الاعتراف بأن التكنولوجيا أصبحت شريكًا لا مفر منه، لكنها تحتاج إلى الإشراف البشري لتعويض أوجه القصور الأخلاقية والثقافية والتحيز الخوارزمي. إن الثقة (Trust) هي العملة الأكثر قيمة في اقتصاد المعلومات المتضخم، والمترجم البشري هو الضامن لهذه الثقة.
التوصيات الاستراتيجية للمجتمع المهني والأكاديمي
بناءً على التحديات والفرص التي كشف عنها عام 2025، يُوصى باتخاذ الإجراءات الاستراتيجية التالية لضمان ازدهار مهنة الترجمة في المستقبل:
إعادة هندسة المناهج التعليمية للترجمة: يجب على المؤسسات الأكاديمية إعطاء الأولوية لدمج ثقافة الذكاء الاصطناعي (AI Literacy) ومهارات التحرير والمراجعة البعدية (Post-editing) وإدارة أدوات الذكاء الاصطناعي كركيزة أساسية في برامج تدريب المترجمين. يجب أن يكون الهدف هو تخريج “مهندسي ترجمة آليين” قادرين على تحقيق التوازن بين الأتمتة والخبرة البشرية.
تعزيز التخصص الدقيق واستدامة المهارات: ينبغي تشجيع المترجمين على التخصص بعمق في المجالات التي تتطلب توطيناً ثقافياً وإبداعاً عالياً (مثل الترجمة الأدبية والثقافية) أو المجالات عالية المخاطر (مثل الترجمة القانونية والطبية)، لتعزيز قيمتهم المضافة التي يصعب على الآلة محاكاتها.
تطوير الإطار الأخلاقي والمهني للذكاء الاصطناعي: يجب على الاتحادات المهنية والمنظمات الدولية (مثل FIT وUNESCO) العمل على صياغة مبادئ توجيهية واضحة لمواجهة التحديات الأخلاقية، لا سيما ما يتعلق بخصوصية البيانات، والحد من التحيز الخوارزمي، ومعالجة قضية تراجع مهارات المترجمين (Deskilling).
الاستفادة من التكنولوجيا في خدمة التنوع اللغوي: يجب استغلال قدرة الترجمة الآلية على معالجة اللغات على نطاق واسع كأداة لحماية اللغات المهددة بالانقراض والعمل على تطوير الموارد المعرفية بلغات الأقليات، بما يخدم الشمولية اللغوية والثقافية العالمية. إن الترجمة التحريرية والشفوية للغات الأقليات تعد مفتاحًا لتحقيق الشمول والتنمية.
Leave a Reply