دخلت احتجاجات حركة “جيل زد 212” (GENZ212) في المغرب أسبوعها الثاني وسط تصعيد نوعي في سقف المطالب، وتأكيد على استمرار التعبئة الرقمية والميدانية رغم المنع الأمني المتقطع. لم يعد الحراك مقتصرًا على المطالب الاجتماعية، بل ارتفع صوته ليطالب بـ إقالة الحكومة بقيادة عزيز أخنوش، في خطوة تعكس تدهور الثقة في المؤسسات التنفيذية.
تصعيد المطالب: الشعب يريد رحيل أخنوش
بدأت المظاهرات، التي انطلقت في 27 سبتمبر 2025، في مدن كبرى مثل الرباط والدار البيضاء وأكادير وطنجة، واستمرت بعد ذلك في التوسع لتشمل مدناً ومناطق متعددة من المملكة. وفي تطور بارز، كشفت تقارير أن شباب “جيل زد 212” رفعوا مذكرة مطلبية مطولة إلى الملك محمد السادس، تضمنت تشخيصاً للأوضاع الاجتماعية والسياسية، ودعت إلى تدخل ملكي عاجل لاستعادة الثقة المفقودة.
كان المطلب الأكثر حدة في هذه المذكرة هو الدعوة إلى “رحيل أخنوش” وإقالة حكومته، في إشارة واضحة إلى فقدان الثقة المطلق في قدرة المؤسسات الوسيطة (الحكومة والبرلمان والأحزاب) على تحقيق إصلاحات حقيقية.
ترتكز المطالب الأساسية، التي شكلت وقود هذا الحراك، على قضايا اجتماعية واقتصادية محورية، أبرزها:
العدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة: حيث تبلغ نسبة البطالة الإجمالية في المغرب 12.8%، وترتفع بشكل كارثي بين الشباب لتصل إلى 35.8%.
إصلاح الخدمات العامة: تحسين جودة التعليم العمومي، وتجويد خدمات الصحة المتردية (التي شهدت احتجاجات سابقة على تدهورها).
محاربة الفساد: المطالبة بمحاسبة السياسيين والمسؤولين المفسدين.
التعبئة الرقمية والإرباك الحكومي
أثبت حراك “جيل زد” فاعليته من خلال استخدامه المبتكر للمنصات الرقمية اللامركزية. فقد شهد خادم “ديسكورد” الخاص بالمجموعة ارتفاعاً صاروخياً في عدد الأعضاء، حيث قفز من حوالي 3 آلاف عضو عند بداية الاحتجاجات إلى أكثر من 150 ألف عضو بحلول 2 أكتوبر 2025. يمثل هذا الانتشار السريع تحدياً لوجودياً للأحزاب والنقابات التقليدية التي فقدت مصداقيتها في تأطير الشباب.
كما أن هذا الحراك المتمسك بالسلمية كان له تأثير مباشر على قرارات الحكومة. فقد أربكت احتجاجات “جيل زد” المتواصلة خطط الحكومة برئاسة أخنوش لتفعيل الزيادة الثانية في أسعار قنينات الغاز، ضمن مسار رفع الدعم التدريجي عن المواد الأساسية، مما أدى إلى تأجيل أو تجميد هذه الزيادة المقررة لعام 2025.
وفي المقابل، تؤكد الحكومة استعدادها للحوار مع الحركة، حيث جدد وزير الشباب والتواصل المغربي دعوة المحتجين إلى “حوار شفاف وتقديم مقترحات عملية”، مؤكداً أن هذه المطالب تندرج في صميم التوجيهات الملكية المتعلقة بالنهوض بالصحة والتعليم.
مفترق الطرق: شبح “كرة الثلج”
يرى المحللون أن استمرار الاحتجاجات، خاصة في ظل المطالبة الصريحة بإقالة الحكومة، يؤكد أن المشكل يكمن اليوم في نخب الإدارة وأنظمة الحكامة.
ويحذر المراقبون من أن مقاربة التضييق الأمني، التي واجهت بها السلطات المظاهرات السلمية في الرباط والدار البيضاء ومدن أخرى، قد تكون قصيرة الأمد. ففي حال تجاهل الأسباب العميقة وتراكم خيبات الأمل، فإن “كرة الثلج” الرقمية قد تتحول تدريجياً إلى حركة اجتماعية أوسع يصعب التحكم فيها.
المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: إما الاستجابة لمطالب الإصلاح الجذري والاستثمار في الرأسمال البشري، أو الاستمرار في مقاربة تعزز الإحباط وتغذي السخط في جيل يرفض أن يظل على الهامش. هذا الجيل، الذي يؤكد ولاءه للوطن والملك، يرفض الاستمرار في “دوامة الفساد والبطالة والفوارق”، ويطالب بدولة قوامها المحاسبة والعدالة.

Leave a Reply