يا أيها العرب والمسلمون: الطريق إلى القدس عبر نتنياهو وأردوغان

يا أيها العرب والمسلمون: الطريق إلى القدس عبر نتنياهو وأردوغان

سياق التصريحات الأخيرة

في الأسابيع الأخيرة، تصدرت الساحة السياسية الدولية تصريحات متناقضة لكل من بنيامين نتنياهو ورجب طيب أردوغان، حملت بين طياتها رسائل مباشرة وغير مباشرة حول مستقبل الصراع في الشرق الأوسط ومكانة القدس في المعادلة الجيوسياسية. نتنياهو، في خطاباته الأخيرة، شدد على أن القدس “عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل”، مؤكداً على المضي قدماً في مشاريع الاستيطان ورفض أي تنازل سياسي بشأنها. في المقابل، صعّد أردوغان لهجته ووجّه خطاباً للعالم الإسلامي، مؤكداً أن القدس “خط أحمر” وأن تركيا ستواصل الدفاع عن حق الفلسطينيين في المدينة المقدسة، داعياً إلى توحيد الموقف الإسلامي في مواجهة السياسات الإسرائيلية.

معركة التصريحات والواقع الميداني

على الرغم من نبرة أردوغان القوية، فإن سياسات تركيا العملية غالباً ما تعكس توازنات معقدة بين مصالحها الاقتصادية والإقليمية وعلاقاتها مع القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها. أما نتنياهو، فيدرك جيداً أن تصريحات أردوغان، رغم صداها الشعبي في العالم الإسلامي، تبقى محدودة التأثير ما لم تترجم إلى تحركات دبلوماسية وجيوسياسية مؤثرة على الأرض.

بهذا، يمكن القول إن المواجهة بين “خطاب أردوغان العاطفي” و”سياسات نتنياهو العملية” تكشف عن ثغرة كبيرة في الاستراتيجية الإسلامية تجاه القدس. فهي غالباً ما تنحصر في ردود فعل كلامية، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة ميدانية تُصعّب أي محاولة لتسوية مستقبلية.

القدس كرمز للصراع على القيادة

تصريحات أردوغان الأخيرة لا تعكس فقط موقف تركيا من القضية الفلسطينية، بل أيضاً سعي أنقرة لإعادة التموضع كقوة قيادية في العالم الإسلامي، في وقت يتراجع فيه حضور بعض الدول العربية الكبرى بسبب أزماتها الداخلية أو رهاناتها الإقليمية. أما نتنياهو، فهو يوظف هذه الانقسامات لصالحه، معززاً سردية أن إسرائيل أقوى من أي تحالفات كلامية قد تتشكل في المنطقة.

الطريق إلى القدس: ما العمل؟

إذا كان نتنياهو يصرّ على فرض السيادة الإسرائيلية على القدس، وإذا كان أردوغان يرفع شعار الدفاع عنها، فإن السؤال الحقيقي يبقى: أين العرب والمسلمون في هذه المعادلة؟ الطريق إلى القدس لا يمر عبر التصريحات فقط، بل عبر استراتيجية عملية تتضمن:

توحيد الموقف العربي والإسلامي بشكل يتجاوز الانقسامات.

تفعيل الدبلوماسية الدولية عبر الأمم المتحدة والمحاكم الدولية.

الضغط الاقتصادي باستخدام أوراق الطاقة والتبادل التجاري.

المعركة الإعلامية لمواجهة الرواية الإسرائيلية وكسب الرأي العام العالمي.

دون ذلك، ستظل القدس رهينة لسياسات نتنياهو الصلبة، في مقابل تصريحات أردوغان الرنانة، بينما يغيب المشروع العربي الإسلامي الموحد القادر على صناعة التغيير.

القدس ليست فقط محور مواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل أصبحت ساحة اختبار بين القوى الإقليمية الطامحة إلى قيادة العالم الإسلامي. نتنياهو يستخدم خطاب القوة والواقع الميداني لتثبيت وقائع جديدة، بينما أردوغان يوظف القضية لتعزيز نفوذ تركيا السياسي والديني وهو ما تخشاه إسرائيل كثيرا. لكن الحقيقة المؤلمة تبقى أن القدس تحتاج إلى أكثر من مجرد خطابات؛ تحتاج إلى مشروع استراتيجي شامل يترجم المشاعر إلى أفعال.

القدس ليست مجرد مدينة، بل رمز للهوية والصراع والتاريخ. ونتنياهو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يمثل الحاجز الرئيسي أمام أي مشروع عربي أو إسلامي لتحقيق وحدة القدس أو حماية حقوق الفلسطينيين. لذلك، كل المبادرات المستقبلية يجب أن تأخذ في الحسبان الحسابات السياسية الإسرائيلية، وتستند إلى تحالفات قوية، واستراتيجية مدروسة، لاكتساب الزخم الكافي لمواجهة التحديات الراهنة.

القدس هي رمز، ومعركة السيطرة عليها هي معركة لإعادة رسم المستقبل السياسي في الشرق الأوسط، الطريق إلى القدس اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يمر عبر فهم استراتيجية نتنياهو، وتحديات إسرائيل الداخلية، والتحولات الإقليمية والدولية. كل مبادرة عربية أو إسلامية يجب أن تكون مدروسة، متكاملة، متعددة المستويات، تجمع بين الدبلوماسية، والضغط السياسي، والتحركات الشعبية، لضمان تأثير فعلي ومستدام. القدس ليست مجرد مدينة؛ إنها اختبار حقيقي للقدرة العربية والإسلامية على توحيد الصفوف، وتقديم استراتيجية واضحة تجاه مركز الصراع الأهم في المنطقة.


:المراجع الإعلامية

United Nations Reports (2023-2024): حول الاستيطان في القدس.

Al Jazeera (2024): تحليل تصريحات أردوغان بشأن القدس.

Middle East Monitor (2024): حول ردود الفعل العربية والإسلامية.

Brookings Institution (2023): دراسات عن التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

Carnegie Middle East Center (2024): تحليلات حول السياسات التركية والإسرائيلية.

Leave a Reply

Your email address will not be published.