!قطر ومآلات ما بعد الضربة ومصير الوساطة على مفترق طرق

!قطر ومآلات ما بعد الضربة ومصير الوساطة على مفترق طرق

أول هجوم إسرائيلي في قلب الخليج

في التاسع من سبتمبر 2025، هزت العاصمة القطرية الدوحة سلسلة انفجارات مفاجئة جرّاؤها استهداف إسرائيل لمجمع يُنسب إلى قيادة حركة حماس. جاءت الضربة وسط محاولة وساطية أمريكية–قطرية للتهدئة في غزة، لتطيح بكل معايير الأمن السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط. الدول الكبرى والمنظمات الدولية سارعت إلى الإدانات — من الأمم المتحدة إلى السعودية ومصر والبابا ليو— مما أظهر حساسية هذه اللحظة: ليست مجرد هجوم عسكري بل صفعة لشرعية الوساطة القطرية وربما واشنطن نفسها.

البعد القانوني: انتهاك سيادة لا يغتفر

يعد تنفيذ هجوم عسكري داخل دولة ذات سيادة دون إعلان الحرب أو تبرير الدفاع الشرعي خرقًا فاضحًا لميثاق الأمم المتحدة. قطر، بصفتها مستضيفة للقاعدة الجوية الأمريكية في المنطقة، أعلنت عن الحادث باعتباره “اعتداءً جبانًا” وخرقًا “لحقوق السيادة والاعتمادات الدولية”AP NewsReuters. الأمين العام للأمم المتحدة دان الحدث واصفًا إياه بـ”انتهاك صارخ” للأعراف الدوليةAP NewsReuters، في حين عبّر البابا ليو الرابع عشر—بلهجة نادرة وقوية—عن قلقه من هذه “الوضعية الجدية جدًا”.

هذا الانتهاك يُثير تساؤلات عميقة: إلى أي مدى يمكن اعتبار دولة كقوة عظمى تتحمّل مسؤولية مفاعيل التراخي تجاه مثل هذه العمليات؟ وهل يعيد تشكيل مفهوم حدود الناتو والعلاقات الأمنية التقليدية في الخليج؟

وساطة معلّقة: هل انتهى فصل وساطة الدوحة؟

لطالما كانت قطر وسيطًا دوليًا رئيسيًا، تربط بين أطراف النزاع—من حماس إلى إسرائيل. ضرب مكتبها السياسي في الدوحة يعني عمليًا “إبطال” إحدى أدوات التهدئة الجيوسياسية. بعض المحللين يشيرون إلى أن العملية كانت تسعى إلى تقويض سمعة قطر كوسيط مستقل، ما قد يفتح الطريق أمام أطراف أخرى—مثل مصر أو الأمم المتحدة—لقيادة جهود جديدة.

في هذا السياق، تزداد احتمالية انتقال حاسم في موازين التفاوض، إذ تحولت قاعة محادثات ساكنة نسبيًا إلى منصة مثيرة للخطر.

التصعيد الإقليمي: بوادر ردّ من الأطراف غير الحكومية

ردود الفعل المحتملة تتقاطع ثلاثيًا بين:

جماعات مقاومة مسلحة (مثل حماس أو ما يُعرف بمحاور المقاومة) التي قد ترى في الضربة فرصة لتوسيع هجماتها انتقامًا داخل أو خارج حدود غزة؛

دول الخليج، التي في غالبها أدانت الحادث، قد تُعيد تقييم استراتيجيات التطبيع مع إسرائيل لرد الاعتبار للسيادة؛

الولايات المتحدة: رغم علمها المسبق، وصفت الضربة بأنها “غير مفيدة لمصالحها”، مما يفتح مجال حقيقتها وموقفها من الحدث.

كل المؤشرات تدلّ على أن تهدئة مسبقة قد تُعيد الاستقرار، لكن الواقع قد لا يسمح بجسر ثقة سهل في المرحلة المقبلة.

الخطر الاقتصادي: الأسواق والأساطيل في مواجهة أزمة غير متوقعة

أسواق الطاقة العالمية ارتفعت فور استشعارها “فوضى الخليج”—ففي قطر وحدها تصدر حوالي 20% من الغاز الطبيعي المسال عالميًا.Reuters. كذلك، تراجعت بعض مؤشرات الاستثمار البنيوي، ما خلق أفقًا حذرًا أمام شركات عالمية تشغل انفراجًا باهظًا في الخليج.

بالإضافة لذلك، التوترات الأمنية مثل هذه تنذر بتعطيل طرق التجارة البحرية في الخليج والبحر الأحمر، ما يسهم في زيادة احتمالات اضطراب سلاسل التوريد والأمن الغذائي.

تغذية الإعلام والرأي العام: هل ستتحول الحرب إلى سرد مأساوي؟

الضربة ليست حدثًا عسكريًا فقط؛ إنها خبر إعلامي مهيمن. صور الدخان فوق الدوحة، والتصريحات الرسمية، ووثائق التفاوض المبكرة جميعها تُغذي سردية جديدة: “إسرائيل تجاوزت خطوطًا حمراء”. الإعلام الغربي—مثل “الغارديان” و”واشنطن بوست”—عبّر عن قلقه من أن الضربة تجعل من التوصل لوقف إطلاق النار مسألة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

إلى أين يمضي المستقبل؟

                                  العوائد المحتملة                       المخاطر الظاهرة
ردّ فلسطيني واسع لتصعيد الضربة اندلاع حرب إقليمية شاملة
تعبئة الخليج سياسيًا ضد انتهاك السيادة تجميد المسارات التفاوضية
تحول في السياسة الأميركية تجاه الخليج تعميق عزلة إسرائيل دوليًا

السيناريو الأكثر ترجيحًا في المدى القريب هو سلسلة من الردود الدبلوماسية الحادة ومحاولات تأسيس مسارات وساطة جديدة بعيدًا عن قطر، كما أن خطر توسع المواجهة الفعلية—سواء عبر ضرب مواقع أو البلدان—يبقى قائمًا.

الدوحة من وسيط السلام إلى الملمّة الكبرى

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة قلب المعادلات الأمنية والدبلوماسية رأسًا على عقب. فعلى خلفية استهداف وساطة كانت مفتاحًا لتهدئة المنطقة، يتحول الخليج كله إلى حلبة إعادة تقييم تحالفات، شرعيات، ومفهوم الوساطة. كل هذه التحولات تصطف ضد عمق النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، فهل يبقى هناك من يجرؤ على التفاوض مجددًا؟ أم أن الحدث بخمسه انفجارات أصاب ما تبقى من الأمل إقليميًا؟

Leave a Reply

Your email address will not be published.