الفاشية في عصر التكنولوجيا… هل نعيش بداية نظام عالمي جديد؟

الفاشية في عصر التكنولوجيا… هل نعيش بداية نظام عالمي جديد؟

يبدو أننا دخلنا مرحلة سياسية لم تكن في حسبان أكثر المتشائمين. فالعالم اليوم يشهد ظهور ما يسميه بعض الباحثين بـ “فاشية نهاية العالم”، وهي خليط غريب من اليمين المتطرف، ورأسمالية الذكاء الاصطناعي، وعقيدة رقمية تقوم على فكرة أن التكنولوجيا يمكن أن تعوّض الدولة وتتفوق عليها. لم يعد اليمين الشعبوي مجرد خطابات عاطفية، بل صار مشروعًا متكاملًا تدعمه مليارات الدولارات ورؤوس أفكار تؤمن بأن “المستقبل لمن يملك الخوادم وليس لمن يملك البرلمانات”.

ما يحدث في أمريكا، أوروبا، وحتى آسيا، ليس صعودًا سياسيًا عاديًا، بل إعادة تشكيل جذري لمنطق السلطة. قادة يرفعون شعار “استعدوا للانهيار”، ويعدون أتباعهم بأنهم وحدهم من سيحميهم من “نهاية العالم” عبر بناء مدن خاصة، محمية، رقمية، مغلقة… مدن تُدار فيها الحياة بقوانين الذكاء الصناعي، وليس بدساتير بشرية.
هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية، بل يؤمنون بالنجاة. ولا يؤمنون بالمؤسسات، بل بالانعزال. وهذا التحول ليس مجرد خوف سياسي، بل علامة على أن العالم يتجه نحو نموذج قوة جديد: قوة التكنولوجيا المملوكة لفئة محدودة.

الخطير أن هذا التيار لا يقتصر على الخطاب، بل صار يستثمر في البنية التحتية: أقمار صناعية خاصة، شبكات إنترنت مستقلة، أنظمة أمن ذاتية، وجيوش من الذكاء الاصطناعي.
في المقابل، تعيش الديمقراطيات أزمة هوية غير مسبوقة. المؤسسات بطيئة، الشعوب غاضبة، الإعلام منقسم، والنخب تعيش في صدمة. وبينما يتجادل السياسيون حول الضرائب، يبني الآخرون شبكات عابرة للدول.

وهنا يظهر السؤال الحقيقي:
هل نحن أمام فاشية جديدة تُبنى ليس بالسلاح التقليدي، بل بخوارزميات؟
وهل يمكن للعالم الحر أن يواجه خطرًا لا يهجم بالدبابات، بل بالبيانات؟
وما مستقبل السياسة حين يصبح الولاء لشركة تكنولوجية أكبر من الولاء لوطن؟

الحقيقة المؤلمة أن الديمقراطية اليوم لا تُهدَّد بالديكتاتور التقليدي، بل تُهدَّد بـ رجل الأعمال الذي يملك تكنولوجيا تستطيع التحكم بالمعلومات والوعي والسلوك والاقتصاد.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي مرحلة “الذكاء العام AGI”، سيصبح الصراع أكبر: من يتحكم بهذه التكنولوجيا سيملك العالم، ليس سياسيًا فقط، بل وجوديًا.

العالم يُعاد تشكيله اليوم، ليس في قاعات الأمم المتحدة، بل في مختبرات السيليكون فالي.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا:
هل نحن مستعدون لنظام عالمي لا يقوم على الدول، بل على خوادم الشركات؟

Leave a Reply

Your email address will not be published.