الخطاب الملكي أمام البرلمان.. بين وعود التغيير وخيبات أمل جيل زد

الخطاب الملكي أمام البرلمان.. بين وعود التغيير وخيبات أمل جيل زد

منذ اللحظة الأولى لاعتلاء الملك محمد السادس منصة البرلمان وإلقاء خطابه الأخير، أدرك جيل الشباب المغربي، خصوصًا المنتمين إلى ما يعرف بـ”جيل Z”، أن هذا الخطاب سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدولة على مواكبة التحديات الجديدة التي يعيشها الشباب، بين طموحات التغيير السريع وواقع البيروقراطية البطيء. فالملك، في خطابه، دعا بوضوح إلى تطوير النموذج التنموي، وتحقيق عدالة مجالية، وتمكين الشباب اقتصاديًا، وهي عبارات تلامس وجدان هذا الجيل الذي نشأ في عصر السرعة والاتصال والشفافية.

لكن السؤال العميق الذي يتردد في أذهان جيل Z هو: هل يكفي الخطاب؟ فالشباب اليوم لا يكتفون بالشعارات أو الخطط الكبرى، بل يبحثون عن أثر ملموس في حياتهم اليومية، عن مدارس تُخرّج كفاءات حقيقية، وعن وظائف لا تقتل الإبداع، وعن مؤسسات عمومية شفافة تُحاسب نفسها قبل أن تُحاسَب. هذا الجيل، الذي يعيش بين عالم افتراضي بلا حدود وواقع مليء بالتناقضات، يريد أن يشعر أن الدولة تراه وتفهم لغته الجديدة: لغة السرعة، والمبادرة، والحرية.

من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن الخطاب الملكي حمل نَفَسًا إصلاحيًا واضحًا، سواء في دعوته لتسريع المشاريع الاجتماعية الكبرى، أو في نقده الضمني لبطء الإدارة وتراجع الثقة بين المواطن ومؤسساته. لكنه في الوقت نفسه، أعاد إلى السطح إشكاليات مزمنة ظلت عالقة: بطالة الخريجين، غياب تكافؤ الفرص، وضعف البنية الاقتصادية في المناطق البعيدة عن المركز. لذلك، فإن جيل Z يستقبل هذا الخطاب بين الأمل والحذر، بين التفاؤل بملامح مغرب جديد، والخيبة من بطء ترجمة الكلمات إلى أفعال.

ربما ما يميّز جيل Z عن الأجيال السابقة أنه جيل لا ينتظر طويلًا، ولا يسكت عن التناقضات. إنه جيل يملك أدوات التعبير والتأثير، ويقيس مصداقية الدولة بمدى التزامها بالفعل لا القول. ومن هنا، فإن الكرة اليوم في ملعب الحكومة والنخب السياسية لترجمة الرؤية الملكية إلى مشاريع ملموسة تُعيد الثقة في العمل العام، وتمنح الشباب سببًا للبقاء في وطنهم بدل الهجرة الذهنية أو الجغرافية. الخطاب الملكي وضع الأساس، لكن جيل Z ينتظر البناء الحقيقي، لا المزيد من الوعود المؤجلة.

فقط، سيستعيد الكلام سلطته على القلوب قبل العقول، وسنكتشف أن جيل Z لا يعادي الدولة، بل يعادي الغياب الطويل للفعل.

Leave a Reply

Your email address will not be published.