ظهور اليابان كدولة مهمة هو نتيجة لمزيج من العوامل الحرفية والتقنية والتجارية المربحة والتكنولوجية. على الرغم من صغر حجمها إلى حد ما وخزائنها الطبيعية المحدودة، فقد تم تصنيف اليابان باستمرار بين أكثر الدول تقدمًا في العالم. يمكن أن يعزى هذا النجاح إلى العديد من الأساسيات الحاسمة، التي درسها العلماء والخبراء من جميع أنحاء العالم وهي على النحو التالي :
الابتكار التكنولوجي
واحدة من أهم نِقَاط القوة في اليابان تكمن في إبداعها التكنولوجي. منذ استعادة ميجي في عام 1868، تبنت اليابان التحديث، مما أدى إلى تحول سريع من مجتمع إقطاعي إلى دولة رعوية. تشتهر اليابان بكونها في ركب التقدم التكنولوجي في مجالات الروبوتات والإلكترونيات والسيارات.
في كتاب “التحول التكنولوجي لليابان” لموريس لو، يقال إن “قدرة اليابان على إدخال نظام تعليمي يركز على الحكمة والهندسة، أكدت أن البلاد لا تزال رائدة عالميًا في العناية الفائقة بالتكنولوجيا. ” وقد مكن هذا الدافع للاختراع اليابان من الحفاظ على قدرتها التنافسية على الساحة العالمية على الرغم من المنافسة العالمية.
نظام التعليم
يعتبر نظام التعليم الياباني على نطاق واسع أحد الأنظمة المتقدمة في العالم، حيث يوفر الأساس لنجاحه التكنولوجي والمربح. تركز البلاد بشكل كبير على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والذي يزود العلماء بالقصاصات المطلوبة للاجتهاد العالي. أيضًا، يتم تعليم الثقافة اليابانية بغية الانضباط والمثابرة منذ سن مبكرة.
في دراسة أجراها المغربي الدكتور سمير بنيس، يقول: ” إن نظام التعليم الياباني، بتركيزه على كل من التعليم الفكري والأخلاقي، يمكن أن يكون نموذجا للدول الأخرى، بما في ذلك المغرب، والذي يمكنه أن يستفيد من تبني مناهج مماثلة لتعزيز الاختراع والتفكير النقدي”.
أخلاقيات العمل القوية وثقافة الشركات
يعد تراث العمل الياباني عاملاً حاسمًا آخر يساهم في قوة الأمة. كان مفهوم” كايزن”، الذي يعني التحسين المستمر، محوريًا في الثقافة التجارية اليابانية. يتم تشجيع العمال على البحث باستمرار عن طرق لتحسين الإنتاجية والفعالية. يتجلى هذا المبدأ بشكل خاص في مثابرة السيارات اليابانية، حيث طورت شركات مثل تويوتا أنظمة منتجات مشهورة عالميًا.
في طريقة تويوتا بقلم جيفري ليكر، يشرح المؤلف كيف أن “نجاح تويوتا متجذر بعمق في ثقافة الاحترام والتعاون والكايزن، مما يخلق طريقة عمل لا يتم فيها تشجيع التحسين المستمر فحسب، بل توقعه أيضًا”. هذا التركيز على حل المشاكل والتقدم التدريجي جعل الشركات اليابانية مرنة وقابلة للتكيف إلى حد كبير.
الاستقرار الجيوسياسي والدبلوماسية الاستراتيجية
لعبت استراتيجية اليابان الجيوسياسية أيضًا دورًا محوريًا في قوتها. بعد الحرب العالمية الثانية، تحولت اليابان من دولة عسكرية إلى دولة سلمية، مما أدى إلى نمو وتطور مربحين. وقد أدى تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة إلى توفير الأمن وفتح الأبواب أمام التبادل التجاري والتكنولوجي. سمحت الدبلوماسية الاستراتيجية لليابان بالحفاظ على روابط قوية مع الدول الرئيسية الأخرى، مع تراجع نفوذها السياسي في الشؤون العالمية.
وفقًا للدكتور هارو إيغوشي في كتاب ”اليابان ما بعد الحرب وحوض المحيط الهادئ” يقول فيه :”لقد تشكلت السياسة الخارجية لليابان من خلال الرغبة في تحقيق التوازن بين النمو المربح والتعاون الوطني، وهي استراتيجية سمحت لها بالنهوض كدولة مسالمة ولكنها مهمة. “
المرونة الثقافية والجمود
ثقافة اليابان متأصلة بعمق في القدرة على التكيف والصلابة، وهي السمات التي مكنت الأمة من التغلب على تحديات كبيرة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية وغيرها من التحديات. يتمتع الشعب الياباني بتقاليد ضاربة في أمد التاريخ من التعاون المجتمعي والجماعي، والتي كانت ضرورية في إعادة البناء بعد أحداث كارثية مماثلة لزلزال توهوكو عام 2011.
في كتابه المعنون بـ “النهوض من رماد اليابان بعد الكوارث”، يلاحظ عالم الاجتماع شيغيهيرو أويشي أن “تركيز اليابان الفني على المسؤولية التعاونية والاستعداد لمواجهة التحديات سمح للبلاد بالتعافي بشكل سريع من الصدمات الطبيعية والسياسية، مما جعلها دولة مرنة بشكل ملحوظ. “
من خلال ما سبق يلاحظ أن قوة اليابان كدولة هي نتيجة تفاعل معقد بين التقدم التكنولوجي، ونظام تعليمي قوي، وتراث عمل صارم، واستراتيجية جيوسياسية، والقدرة على التكيف. وقد أكد الخبراء من جميع أنحاء العالم، كيف سمح مزيج اليابان الفريد من هذه العوامل بصعودها كقوة عالمية. وكما يقترح الدكتور سمير بنيس، “من المهم أن تتعلم بلدان مثل المغرب من نهج اليابان في التنمية، لا سيما في التعليم والاختراع. ” من خلال فهم هذه الأساسيات، يمكن للمرء أن يقدر الطبيعة متعددة الأوجه لصعود اليابان كواحدة من أهم الدول في العالم.”

Leave a Reply