أحمد الشرعي: بين إدعاء تسييس الإرهاب وشرعنة الإرهاب

أحمد الشرعي من ''كلنا إسرائيليون'' إلى ''كلنا نتنياهيون'' ؟

أحمد الشرعي من ”كلنا إسرائيليون” إلى ”كلنا نتنياهيون” ؟

لا يخفى عن لبيب، ومتفكر فطن أريب، بأن الكتابة مسؤولية، وتزداد تلك المسؤولية ثقلا عندما تستخدم للدفاع عن مواقف تنافي القيم الإنسانية والحقوقية والوطنية الجامعة. ونستحضر في هذه اللحظة المفصلية ما خطته أنامل الإعلامي أحمد الشرعي قبل أيام، والتي أحدثت زوبعة غير مسبوقة وربما لها تبعاتها ليس على الرجل وحده، بل على كل من يقف في صفه أو خندقه مدافعا فيه عن نتنياهو ووزير دفاعة السابق غالانت، بحيث علق الرجل على قرار المحكمة الجنائية الدولية واصفا قراراتها ب “تسييس الإرهاب”، وهو الموقف الذي أثار استياء عارما، لأنه لم يقتصر على حرية التعبير، بل يعكس تحولا مقلقا في القيم والمبادىء ككل في الصحافة والإعلام المغربي والعربي والدولي.

الشرعي والذهاب بعيدا في الدفاع وشرعنة الخطأ

في مقاله لم يكتف الشرعي بتبرير الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت ضد الفلسطينيين، بل حول نفسه إلى ما يشبه ”المحامي المدافع” بلا منازع أو جنديا من جنود ”غولاني” الذين يحمون أكثر الشخصيات المثيرة جدلا وإجراما عالميا بلا منازع. ترى هل كان الشرعي واعيا بما يعنيه هذا الموقف بالنسبة إلى شعب يعتبر القضية الفلسطينية جزءا من نسيجه الوطني ؟ بل هل أقام اعتبارا لمواطنيه من المغاربة ؟ أم أن حسابات سياسة تطبيعية غلبت وسمت ووصمت أخلاقيات المهنة بعار التطبيع المطيع ؟

كلنا ”نتنياهيون”؟

سبق أن أثار الشرعي جدلا مشابها بمقاله الأشهر “كلنا إسرائيليون”، ويبدو أنه انتقل إلى التماهي مع الأفراد في دولة الاحتلال أكثر من الدولة المعنية، بحيث تضامن مع بنيامين نتنياهو هذه المرة بعد تضامنه مع الدولة أولا، وهو موقف لن يمحى بسهولة من الذاكرة الشعبية المغربية. يُطرح الآن سؤال جوهري : هل يمثل الشرعي حقا صوت الإعلام المغربي، أم أنه اختار أن يسير عكس التيار في سياق دقيق دون أدنى اعتبار للمشروعية الوطنية والحقوقية والإنسانية الجامعة ؟ أم أن الرجل له حسابات ومصالح تدفعه لأن يكون شجاعا بما يكفي ليكتب خارج الحدود وبتضامن بدون أدنى حرج ؟

إن الحنكة الإعلامية ليست إطلاقا الرغبة في كسب الأضواء عبر معاكسة الإرادات الجامعة والإنسانية بأي ثمن، لأن دعم ”مجرم حرب” مدان بارتكاب جرائم “الإبادة الجماعية” هو في الحقيقة مهاجمة للحقيقة والصواب ومهاجمة للجنائية الدولية في قراراتها، بل الأدهى هو إغماض عينيه عن الجرائم التي حاقت الأطفال والرضع والعزل والنساء، مختزلا دعمه في سردية تفتقر الموضوعية الشكلية والمنهجية الإعلامية والعقلانية والإنسانية والحقوقية.

إن المقال المنشور ليس مجرد ”زلة قلم”، بل هو تحد صارخ للإرادة الشعبية والإجماع الوطني الغالب في الموضوع، لأن المغاربة طالما دعموا القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني “مظلومة أو مظلومين”، وبذلك قد أهدر الشرعي فرصة ليكون صوتا للحكمة وانتصار المبادئ الإعلامية على الأقل، واختار بدل ذلك أن يكون جزء من منظومة إبادة تبرر العنف والقتل والتجويع والاحتلال قبل وبعد معركة ”طوفان الأقصى” يدينها العالم بعنف وينبذها أحرار العالم والأصوات الحرة.
ربما حان الوقت كي يدرك الشرعي ومن يدور في فلكه ومن يلف لفه، أن الدفاع عن المظلومين ليس خيارا بل واجبا، وأنه التزام وليس إجبارا، وأن الشرعية الدولية لا يمكن تفصيلها وفق الهوى الشخصي للأشخاص أو الدول، وإلا فإن الأجدر لمن يخرج مثل هذه الخرجات حتى لو كان منحازا بصلافة، أن يعلم تمام العلم واليقين أن بين الاستماتة في الدفاع عن المجرمين وبين اللوذ بالصمت الحكيم، يبقى الأخير أكثر احتراما وهيبة وشرعية، بدل الارتماء في تيار التيه الإعلامي حتى لا نقول التطبيع الإعلامي الفج.

Leave a Reply

Your email address will not be published.